العلوم الإنسانية و العلوم المعيارية’
الإشكالية :
هل يستطيع المؤرخ يتجاوز العقبات ودراسة التاريخ دراسة علمية ؟
إذكنت أمام أطروحتين أحدهما تقول <التاريخ ليس علما > والأخرى ترى عكس ذلك حدد المشكلة وأفصل فيها .
الملاحضة:
هذه المقالة تتعلق ب: هل يمكن تطبيق المنهج العلمي على الحوادث التارخية .
مقدمـــــــــة : طرح الإشكالية
يتحرك الإنسان في محيطه الحيوي ويصطدم يوميا بالكثير من الظواهر الطبيعية يحاول فهمها وتفسيرها وأيظا يتفاعل مع الظواهر الإنسانية والتي من أصنافها الحوادث التاريخية , فإذا كنا أمام أطروحتين إحداهما ترى أنه من الممكن دراسة الحوادث التاريخية دراسة علمية والأخرى ترى عكس ذلك فالمشكلة المطروحة :
هل الحوادث التاريخية يمكن دراستها دراسة علمية أم أن العقبات التي تقف في وجه المؤرخ تعجل ذلك مستحيلا؟
التحليل : محاولة حل الإشكالية
عرض الأطروحة الأولى :
ترى هذه الأطروحة أنه لايمكن دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية وحجتهم في ذلك وجود عقبات <عوائق> مصدرها خصائص الحادثة التاريخية وأول هذه العقبات < غياب الموضوعية > لأن المؤرخ يتحكم في الأكثر إلى عقيدته ويدخل أحكامه المسبقة ويتأثر بعاطفته حتى أن فولتير قال < التاريخ مجموعة من الأباطيل والخدع يديرها الأحياء والأموات حتى تناسب رغباتهم > ومن العقبات أيظا < غياب الملاظة والتجربة > ومن الأمثلة التي توضح ذلك أن المؤرخ لايمكنه أن يحدث لنا حرب حتى يبرهن لنا على صحة ما يقول إضافة إلى أن الحادثة التاريخية أنها فريدة من نوعها تحدث مرة واحدة ولا تتكرر وليس هذا فقط بل توجد عقبة ثالثة ألا وهي < غياب الحتمية والتنبؤ >وقد وصف جون كيميني ذلك بقوله< التنبؤ يستحيل مع البشر لأنهم يتمتعون بالإرادة والحرية > والنتيجة التي يمكن إستخلاصها أنه لايمكن دراسة التاريخ دراسة علمية
النقــــــــد:
هذه الأطروحة نسبية شكلا ومضمونا لأن المؤرخ قادر على تجاوز هذه العقبات والبحوث التي قامو بها المؤرخون في عصرنا تثبت ذلك.
عرض الأطروحة الثانية :
ترى هذه الأطروحة أن الحوادث التاريخية تصلح أن تكون أن موضوع لدراسة علمية وحجتهم في ذلك تطبيق المؤرخين لمنهج علمي يعرف <بالمنهج التاريخي الإستقرائي >والذي يتصف بالموضوعية يظهر ذلك في مرحلة جمع الوثائق والمصادر التي بدونها لا يتحدث المؤرخ لذلك قال سنيويوس < تاريخ بدون وثائق وكل عصر ظاعت وثائقه يظل مجهولا إلى الأبد>والمؤرخ لايستعمل هذه الوثائق إلا -(بعد نقدها وتحليلها) وهذا يستعين بالملاحظة والوسائل العلمية للتأكد من سلامة مادة الوثيقة ويحتكم إلى المنطق العقل والعلم للتأكد من مضمونها وهو بذلك يحقق شرط الموضوعية وهذا ما أكدعليه إبن خلدون في كتابه المقدمة حيث قال << النفس إذا كانتعلى حال من الإعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر >> ويصل المؤرخ إلى ترتيب الأحداث التاريخية بمنهجية علمية فيظعها في إطارها الزماني والمكاني وكل ذلك يثبت أنه يمنك دراسة التاريخ دراسة علمية أن المؤرخ قد تمكن من وضع الحلول المناسبة فتمكن من ذلك تجاوز مختلف العقبات
النقد :
هذه الأطروحة نسبية شكلا ومظمونا لأن الدراسات التاريخية لم تصل بعد إلى الموضوعية التي وصلت إليهاالعلوم الرياضية والفيزيائية
التركيب : الفصل في المشكلة
إهتمام الإنسان بالأخبار التاريخية قديم ونستطيع أن نميز بين نوعين من دراسة التاريخ < الدراسة الفلسفية > والتي ترتبط بالجانب الميتافيزيقي والدراسة العلمية كما هو واضح في عصرنا هذا وكحل للإشكالية نقول <يمكن دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية لاكن بشرط التقيد بالظوابط الأخلاقية وإحترام خصوصيات العصر الذي ندرسه > والدليل على ذلك أن التاريخ هو أحداث يرويها الأحياء عن الأموات وكما قال كانط << يجب أن يحاط الإنسان بالإحترام>>وفي كل الحالات يجب أن نؤكد أن التاريخ قد أصبح علما.
الخاتمة:
وخلاصة القول أن التاريخ له فائدة كبرى إنه يرسم لنا كيف كانت نهاية طريق الرذيلة ويخبرنا عن الذين دافعوا عن مبادئهم وسلكوا طريق الفضيلة وقد تبين لنا أن المشكلة تدور حول < تطبيق المنهج العلم على التاريخ> وبعد عرض المسلمات واستخلاص النتائج ومن خلال البرهنة ونقدها نصل إلى حل هذه الإشكالية .
السؤال بصيغة النظام القديم
هل أصل المفاهيم الرياضية تعود إلى العقل أم إلى التجربة
السؤال بصيغة النظام الجديد
السؤال إذا كنت أمام موقفين يقول متعارضين يقول احدهما أن المفاهيم الرياضية في أصلها الأول صادرة عن العقل ويقول ثانيهما أنها صادرة عن التجربة مع العلم أن كليهما صحيح في سياقه ونسقه وطلب منك الفصل في الأمر لتصل إلى المصدر الحقيقي للمفاهيم الرياضية فما عساك أن تفعل؟
طرح المشكل
منذ أن كتب أفلاطون على باب أكاديميته من لم يكن رياضيا لا يطرق بابنا. والرياضيات تحتل المكانة الأولى بين مختلف العلوم وقد ظهرت الرياضيات كعلم منذ القدم لدى اليونانيين.وهي تدرس الكم بنوعيه المتصل والمنفصل وتعتمد على مجموعة من المفاهيم .وإذا كان لكل شيء أصل .ولكل علم مصدر فما أصل الرياضيات وما مصدر مفاهيمها ؟فهل ترتد كلها إلى العقل الصرف الخالص, أم إلى مدركاتنا الحسية والى ما ينطبع في أذهاننا من صور استخلصناها من العالم الخارجي ؟ وبعبارة أخرى هل الرياضيات مستخلصة في أصلها البعيد من العقل أم من التجربة؟
عرض الأطروحة الأولى أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى العقل
يرى العقليون أن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى المبادئ الفطرية التي ولد الإنسان مزودا بها وهي سابقة عن التجربة لان العقل بطبيعته ,يتوفر على مبادئ وأفكار فطرية .وكل ما يصدر عن هذا العقل من أحكام وقضايا ومفاهيم ,تعتبر كلية وضرورية ومطلقة وتتميز بالبداهة والوضوح والثبات ومن ابرز دعاة هذا الرأي نجد اليوناني أفلاطون الذي يرى أن المفاهيم الرياضية كالخط المستقيم والدائرة .واللانهائي والأكبر والأصغر ......هي مفاهيم أولية نابعة من العقل وموجودة فيه قبليا لان العقل بحسبه كان يحيا في عالم المثل وكان على علم بسائر الحقائق .ومنها المعطيات الرياضية التي هي أزلية وثابتة , لكنه لما فارق هذا العالم نسي أفكاره ,وكان عليه أن يتذكرها .وان يدركها بالذهن وحده . ويرى الفيلسوف الفرنسي ديكارت أن المعاني الرياضية من أشكال وأعداد هي أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية وما يلقيه الله فينا من أفكار لا يعتريه الخطأ ولما كان العقل هو اعدل قسمة بين الناس فإنهم يشتركون جميعا في العمليات العقلية حيث يقيمون عليه استنتاجاتهم ويرى الفيلسوف الألماني "كانط" إن الزمان والمكان مفهومان مجردان وليس مشتقين من الإحساسات أو مستمدين من التجربة ,بل هما الدعامة الأولى لكل معرفة حسية
نقد الأطروحة الأولى
لا يمكننا أن نتقبل أن جميع المفاهيم الرياضية هي مفاهيم عقلية لان الكثير من المفاهيم الرياضية لها ما يقابلها في عالم الحس.وتاريخ العلم يدل على أن الرياضيات وقبل أن تصبح علما عقليا ,قطعت مراحل كلها تجريبية .فالهندسة سبقت الحساب والجبر لأنها اقرب للتجربة
عرض الأطروحة الثانية أصل المفاهيم الرياضية هي التجربة
يرى التجريبيون من أمثال هيوم ولوك وميل أن المفاهيم والمبادئ الرياضية مثل جميع معارفنا تنشا من التجربة ولا يمكن التسليم بأفكار فطرية عقلية لان النفس البشرية تولد صفحة بيضاء .فالواقع الحسي أو التجريبي هو المصدر اليقيني للتجربة.وان كل معرفة عقلية هي صدى لادراكاتنا الحسية عن هذا الواقع .وفي هذا السياق يقولون (لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في التجربة )ويقولون ايضا (ان القضايا الرياضية التي هي من الأفكار المركبة ,ليست سوى مدركات بسيطة هي عبارة عن تعميمات مصدرها التجربة )ويقول دافيد هيوم ( كل ما اعرفه قد استمدته من التجربة) ففكرة الدائرة جاءت من رؤية الإنسان للشمس والقرص جاءت كنتيجة مشاهدة الإنسان للقمر. والاحتمالات جاءت كنتيجة لبعض الألعاب التي كان يمارسها الإنسان الأول .وقد استعان الإنسان عبر التاريخ عند العد بالحصى وبالعيدان وبأصابع اليدين والرجلين وغيرها ,والمفاهيم الرياضية بالنسبة إلى الأطفال والبدائيين .لا تفارق مجال الإدراك الحسي لديهم ,وان ما يوجد في أذهانهم وأذهان غيرهم من معان رياضية ما هي إلا مجرد نسخ جزئية للأشياء المعطاة في التجربة الموضوعية.
نقد الأطروحة الثانية
لا يمكننا أن نسلم أن المفاهيم الرياضية هي مفاهيم تجريبية فقط لأننا لا يمكننا أن ننكر الأفكار الفطرية التي يولد الإنسان مزود بها.وإذا كانت المفاهيم الرياضية أصلها حسي محض لاشترك فيها الإنسان مع الحيوان .
التركــــــــــــــــــيب
إن أصل المفاهيم الرياضية يعود إلى الترابط والتلازم الموجود بين التجربة والعقل فلا وجود لعالم مثالي للمعاني الرياضية في غياب العالم الخارجي ولا وجود للأشياء المحسوسة في غياب الوعي الإنساني .والحقيقة أن المعاني الرياضية لم تنشأ دفعة واحدة ,وان فعل التجريد أوجدته عوامل حسية وأخرى ذهنية
الخاتمة
إن تعارض القولين لا يؤدي بالضرورة إلى رفعهما لان كلا منهما صحيح في سياقه , ويبقى أصل المفاهيم الرياضية هو ذلك التداخل والتكامل الموجود بين العقل والتجربة .ولهذا يقول العالم الرياضي السويسري غونزيث (في كل بناء تجريدي ,يوجد راسب حدسي يستحيل محوه وإزالته .وليست هناك معرفة تجريبية خالصة ,ولا معرفة عقلية خالصة.بل كل ما هناك أن أحد الجانبين العقلي والتجريبي قد يطغى على الآخر ,دون أن يلغيه تماما ويقول" هيجل" "كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي"
مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية
الأسئلة : إذا كنت أمام موقفين متعارضين أحدهما يقول الرياضيات في أصلها البعيد مستخلصة من العقل والأخري تقول : الرياضيات مستمدة من العالم الحسي . وطلب منك الفصل في المشكلة فما عساك تصنع ؟
سؤال : هل المعاني الرياضية موجودة في النفس أو أوحت بها بعض مظاهر الطبيعة
المقدمة : طرح الإشكالية
تنقسم العلوم إلي قسمين علوم تجريبية مجالها المحسوسات ومنهجها الاستقراء كالفيزياء وعلوم نظرية مجالها المجردات العقلية ومنهجها الاستنتاج كالرياضيات هذه الأخيرة أثارة جدلا حول أصل مفاهيمها ومبادئها فإذا كنا أمام موقفين أحدهما أرجع الرياضيات إلى العقل والأخر ربطها بالتجربة فالمشكلة المطروحة : هل المعاني الرياضية مستخلصة من أصلها البعيد من العقل أو التجربة ؟
التحليل: محاولة حل الإشكالية
عرض الأطروحة الأولي
يرى العقليون ( المثاليون ) أن المفاهيم الرياضية مستخلصة من أصلها البعيد من العقل وهي فطرية قائمة في النفس وهكذا الرياضيات بناء استدلالي والاستدلال نشاط عقلي فينتج عن ذلك أن المفاهيم والمبادئ الرياضية من طبيعة عقلية , هذا ما ذهب إليه أفلاطون الذي قال في كتابه الجمهورية << عالم المثل مبدأ كل موجود ومعقول أن المعرفة تذكر >> وأكد أفلاطون في محاورة مينوت أن البعد قادر على أن يكشف بنفسه كيفية وإنشاء شكل مساوئ مربع معلوم ومن دعاة هذه الأطروحة ديكارت الذي قال في كتابه التأملات << المعاني الرياضية أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية>> وهم يبررون موقفهم بحجج متنوع من أهمها الرموز الجبرية اللانهائية مفاهيم رياضية لا صلة لها بالواقع الحسي كما أنها تتصف بثلاثة خصائص, مطلقة , ضرورية , كلية, فلا يعقل أن تنتج عن العالم الحسي وتعود هذه الأطروحة إلى كانط الذي ربط المعرفة بما فيها الرياضيات , بمقولتين فطريتين هما الزمان والمكان أي أن الرياضيات في أصلها معاني فطرية لأنها شيدت على أسس فطرية فالمفاهيم الرياضية في أصلها البعيد مستمدة من العقل .
النقـــــــــد :
هذه الأطروحة نسبية لأنه لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية مغروسة في النفس لتساوى في العلم بها جميع الناس لكن الأطفال لايدركون المفاهيم الرياضية إلا من خلال المحسوسات
عرض الأطروحة الثانية
يرى التجريبيون ( الحسويون ) أن المعاني الرياضية مصدرها التجربة أي المفاهيم الرياضية إذا تم تحليلها فإنها ستعود إلى أصلها الحسي ومثال ذلك أن رؤية النجوم أوحت بالنقاط والقمر يرتبط بفكرة القرص لذلك قال الحسيون << العقل صفحة بيضاء والتجربة تكتب عليه ماتشاء >> وهم يبررون موقفهم بما توصل إليه العلماء الأنتروبولوجيا الذين أكدوا أن الشعوب البدائية إستعملت الحصى وأصابع اليدين والرجلين عند حساب عدد الأيام والحيوانات التي يمتلكونها ومواسم السقي المحاصيل الزراعية مما يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي ليس هذا فقط إن المفاهيم الهندسية كالطول والعرض إنما هي مكتسبة بفضل الخبرة الحسية لذلك قال ريبو[/[COLORCOLOR="blue"]]<< حالة الشعور التي ترافق بعض أنواع الحركات العضلية هي الأصل في إدراكنا للطول والعرض والعمق >> ومن أدلتهم أيضا أن الهندسة تاريخيا هي أسبق في الظهور من الحساب والجبر والسر في ذلك أنها مرتبطة بالمحسوسات ولو كانت المفاهيم الرياضية في أصلها مجردات عقلية لظهور الجبر قبل الهندسة كل ذلك يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي
النقد:
صحيح أن بعض المفاهيم الهندسية أصلها حسي لكن أكثر المفاهيم الرياضية الجبر لا علاقة لها بالواقع الحسي.
التركيب: الفصل في المشكلة
لاشك أن المعرفة جهد إنساني ومحاولة جادة لفهم مايحيط بنا من أشياء وإجابتك على مايدور في عقولنا من جهد وبناء مستمر وهذا مايصدق على الرياضيات وكحل توفيقي لأصل المفاهيم الرياضية نقول الرياضيات بدأت حسية ثم أصبحت مجردة وهذا ما وضحه جورج سارتون بقوله << الرياضيات المشخصة هي أول العلوم نشوءا فقد كانت في الماضي تجريدية ثم تجردت وأصبحت علما عقليا >> وذات الحل التوفيقي ذهب إليه عالم الرياضيات غونزيت الذي أكد < تلازم ماهو حسي معا ماهو مجرد في الرياضيات >
الخاتمة : حل الإشكالية
وخلاصة القول أن الرياضيات علم يدرس المقدار القابل للقياس بنوعيه المتصل والمنفصل وقد تبين لنا أن المشكلة تدور حول أصل المفاهيم الرياضية فهو هناك من أرجعها إلى العقل وأعتبرها فطرية وهناك من أرجعها وربطها على أساس أنها حسية نستنتج أن مصدر المفاهيم الرياضية هو تفاعل وتكامل القول مع التجربة
اللــــغة والفكـــــــــر
هل نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله؟
يتميز الإنسان عن الحيوان بالغة والفكر حتى قيل "أن اللغة أداة تواصل إنسانية بحتة) والفكر هو سبيل من المعاني والتصورات الذهنية يحتاج إلى لغة يؤدي دلالته مما يدل الربط الوثيق بينهما غير أن البعض يفصل بين الألفاظ والمعانيفهل باستطاعتنا دلك؟ وهل يمكن أن يكون فكر الإنسان من غير ألفاظ تقابلها كما قد تصدر منه ألفاظ دون أن تحمل أي معنى أو تعبير آخر هل يلزم من هذا وجود توازن بين الألفاظ والرموز التي تشكل اللغة وبين المعاني والتصورات التي تشكل ما ندعوه فكرا؟ وقد انحز عن هذا التساؤل طرحين أساسين فالأول يرى أننا نستطيع أن نفكر فيما نعجز فيما عن قوله وهم أصحاب الإتجاه الثنائي أما الطرح الثاني فاننا لا نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله وهم أصحاب الإتجاه الواحدي.
عرض الموقف الذي يثبت الفصل بين الأفكار والألفاظ الدالة عنها:
حيث يرى معظم فلاسفة الاتجاه الثنائي وفي مقدمتهم برغسون أننا نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله ومبرراتهم في ذلك: الفكر المتقدم عن اللغة ويظهر ذلك في توقف المتكلم أو الكاتب بحثا عن الألفاظ المناسبة للتعبير عنه مضمون فكره وأحيانا يعجز ولا يجد أي عبارة تستطيع ذلك ومن منا لا يعرف العبارة الشهيرة "إن الكلمات تعجز عن وصف شعورنا" لذلك فإن موليار كان مخطئا حينما قال "لا توجد فكرة تعجز عن التعبير عنها باللغة الفرنسية" وفي هذا الصدد يقول برغسون " أعتقد أننا نملك أفكارا كثيرة مما نملك أصواتا" وهذا الرأي نجده عند أفلاطي في مصر القديمة حيث رأيهيقترب من رأي برغسون فالفكر الداخلي الصامت عنده يقابل اللغة التي هي أصوات خارجية وهذا الرأي نجده كذلك عند دويتير ديدور في القرن الثامن عشر حيث يقول بانفصالها . تجاوز الفكر بدلالة اللفظ إذ أن اللفظ لا يعبر إلا من تعارف عليه المجتمع وتبقى جوانب كثيرة في نفس الإنسان لا يستطيع التعبير عنها . الفكر متصل والألفاظ منفصلة الأمر الذي يجعل اللغة قابلة للتحليل والتركيب بينما الفكر في ذهن صاحبه فيض من المعاني المتصلة في تدفق لا تسعه الألفاظ وهذا ما جعل اللغة معرقلة الفكر حتى قيل "الألفاظ قبور المعاني" بالإضافة إلى ذلك يمكن أن نعبر بنفس الفكر وبعدة لغات لكن العبارة لا تنقل بكل صدق محتوى الفكر لهذا يقول المثل الإيطالي"إن المترجم خائن" وهذا يدل على عدم وجود تطابق تام بين الفكر واللغة ويقول برغسون "نحن نفشل عن التعبير بصفة كاملة عما تشعر به روحنا لذلك الفكر يبقى أوسع من اللغة" - ويرى كذلك أن اللغة تحجر الفكر وشيء للديمومة ورغم كل الحجج التي قدمها التي دعاة هذا الطرح لم يسلم من النقد رغم بعض الإيجابيات التي قدمها ومن بينها المقارنة بين القدرة على تمثيل المعاني وفهمها والقدرة على التعبير لكن الجزم باستقلالية الفكر عن اللغة أمر لا يثبته الواقع فكيف تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها؟ وكيف تتمايز الأفكار لولا اندراجها ضمن قوالب لغوية؟ وإذا كان الفكر سابق عن اللغة فهذا من الناحية المنطقية وليس من الناحية الزمنية لأن الإنسان يشعر بأنه يفكر ويتكلم في نفس الوقت وعملية التفكير في الواقع لا تتم خارج إطار اللغة وهذا ما أشار إليه آرسطو بقوله "ليس ثمة تفكير بدون صورة ذهنية أي بدون رموز لغوية وإذا كنا نعلم أن المعنى الواحد يمكن أن نعبر عنه بألفاظ مختلفة وهذا يعني أن العجز الذي توصف به اللغة يمكن أن يكون عجزا في التفكير لأننا لو بحثنا أكثر في اللغة لوجدنا ربما ألفاظ مناسبة للأفكار وهذا ما جعل سيروس يقول "الفكر لا ينفصل عن اللغة" وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال في صياغ جدلي.
عرض الموقف الذي يفصل بين الفكر واللغة ويؤكدون بأنه لا نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله:
يمثل هذا الطرح أصحاب الإتجاه الواحدي ويؤكدون عن الوحدة العضوية والتناسب بين اللفظ والمغزى ومبرراتهم في ذلك هي لا وجود لمعنى إلا إذا تميز عن غيره من المعاني ولا يكون هذا التمايز بعلامة يدركها الإنسان سوا بالتعبير عنها أو الإشارة إليها وهذا ما يسمح للغير بإدراكها ونجد لو افترضنا نضريا وجود معاني في الذهن فإن هذا الإفتراض خيالي إذ لا يكون لهذه المعاني وجود واقعي ما لم تحددها الألفاظ وتلبسها حلة إجتماعية وهذا ما حمل آلان على القول "إن الإنسان الذي لا يعرف إلا الأشياءهو إنسان بدون أفكار لذلك أن الأفكار إنما توجد في اللغة" فالإنسان يفكر في اللغة ويتطلب كل موضوع فكري استعمال اللغة التي تناسبه يقول لافيل "ليست اللغة ثوب الفكر بل هي جسده وفي غياب اللغة لا وجود للفكر إن الفكر لغة داخلية" وقد كشف علماء النفس أن الطفل يكتسب الفكر واللغة معا وفقدان اللغة يلازمه إختلال في المقومات الذهنية حيث يقول ميرلي بوتي "إن الفكر لا يوجد خارج الكلمات ويضيف لذلك للتفكير وجود داخلي إنه لايوجد خارج عالم الكلمات فالكلمة لباس المعنى ولولاها لبقي مجهولا" ويؤكد هذا الصدد هيغل "إن الرغبة في التفكير بدون كلمات لمحاولة عديمة المعنى فالكلمة تعطي الفكر وجوده الأسمى والأصح"ويقول ستالين "مهما كانت الأفكار التي تجيئ إلى فكر الإنسان فإنها لا تستطيع أن توجد إلا على أساس مادة اللغة أي على أساس الألفاظ والجمل اللغوية فلا توجد أفكار عادية مستقلة عن مواد اللغة" فكان أفلاطون في القديم يقول "إن الصور التي أكونها في نفسي عن الروح التي تفكر ليست سوى سورة الروح فهي تسأل نفسها وتجيب" ويكون الفكر عنده لغة صامتة هذا من جهة ومن جهة أخرى ليست هناك لغة بدون تفكير يعطي للأفكار معانيها ودلالتها فليست اللغة مجرد ألفاظ وإلا كانت الكلمات التي ينطق بها الببغاء لغة
إنما اللغة ألفاظ ورموز تعبر عن أفكار الإنسان وتصوراته إن الرمز لا يكون رمزا والمعنى هي روحه ولا يمكن الفصل بينهما هل استطاع الاتجاه الواحدي تجاوز التناقضات التي وقع فيها أصحاب الإتجاه الثنائي إذا كان توافق فلاسفة اللغة على رفضهم للإتجاه الحدسي في القول باستقلال الفكر عن اللغة فإنه لا يمكننا أن نحاربهم في كل ما ذهبوا إليه بوجود وتطابق بين الأفكار والالفاظ غننا نلاحظ تفاوتا بينهما إذ نجد في أنفسنا عدم التناسب بين قدرتنا على الفهم وقدرتنا على الأداء وهذا يعني أن الغنسان يفهم من معاني اللغة أكثر مما يحسن من ألفاظها فعندما يحدثنا شخص بلغة لا نفهمها ولا نثق فيها كثيرا فإننا نفهم الكثير من قوله ولكننا قد لا نستطيع مخاطبته بالمقدار الذي فهمناه ثم إن المشكلة تبقى قائمة فالأدباء على الرغم من امتلاكهم لثروة لغوية هائلة لا يجدون الألفاظ المناسبة لمشاعرهم وأحاسيسهم ولعل هذا ما يجعل الغنسان يخترع الموسيقى والمسرح للتعبير والكشف عما تعجز عليه اللغة ألم يقل الصينيون قديما أن الصورة أفضل من ألف كلمة وحتى لا تكون متحايزة لأي طرف .
- يمكننا التوفيق بين الطرفين بالتصور الفلسفية الصحيح إن الإنسان يكشف بفكره عن مختلف المعاني ثم يعبر عنها باللغات وأن أي طبيعة للغة تأثير على طبيعة الفكر بدليل أن لكل لغة صفات ومميزات وبالتالي فإن هذه الصفات والمميزات تنطوي على المعاني والأفكار ويحدد لنا أحد الفلاسفة العلامة بين الفكر واللغة بقوله "الأداة تجعل المنتوج ممكنا لكن هذا الأخير يطور الأداة بدوره إن ظهور تطور جديد يكون داما مصحوبا بالاستعمال غير الناسب نسبيا بأداة لغوية قديمة"
الخاتمة :
وخلاصة القول أنه لا يمكن عزل الصوت عن الفكر وعزل الفكر عن الصوت ولا يمكننا ذلك إلا بضرب من التجريد ويؤدي بنا إلى الدخول في علم النفس المخص أو علم الأصوات المحضة ويمكننا القول بأن الفكر بالنسبة للغة كالروح بالنسبة للجسد فلا يمكن وجود أحدهما دون الآخر وفي هذا الصدد يقول أحد الفلاسفة دولاكروا "الفكر يصنع اللغة بقدر ما أن اللغة تصنع الفكر"ومع ذلك يمكن الإشارة إلى أن استخدام الألفاظ ينبغي أن يكون استخداما مظبوطا وهذا إليه ذوي الإحساس المرهف عندما أحلوا على مخاطر اللغة فكانوا يدعون إلى إخضاعها لتقديرات عميقة حتى تؤدي إلى الدور الذي من أجله وجدت ذلك أن اللغة ينبغي أن تكون من المرونة والسيولة مما يجعلها قادرة على تتبع الفكر الحر في سيولته وحركته المتدفقة والمستمرة.